كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



تنبيه:
قيل الخطاب مع النبيّ صلى الله عليه وسلم قال الرازي: وهو منكر وقيل مع الكافر قال ابن عادل: والأقوى أن يقال هو خطاب عام مع السامع وهذا أولى وقوله تعالى: {ونفخ في الصور} عطف على قوله تعالى: {وجاءت سكرة الموت} وهو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام للموت العامّ والبعث العامّ عند التكامل وانقطاع أوان التعامل وهو بحيث لا يعلم قدر عظمه واتساعه إلا الله تعالى وهو عليه السلام قد التقم الصور من حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر متى يؤمر فيالها من عظمة ما أغفلنا وعنها أنسانًا لها والمراد بهذه نفخة البعث وقوله تعالى: {ذلك} إشارة إلى الزمان المفهوم من قوله نفخ لأنّ الفعل كما يدل على المصدر يدل على الزمان فكأنه تعالى قال ذلك الزمان العظيم الأهوال والأوجال {يوم الوعيد} أي: للكفار بالعذاب.
{وجاءت} أي: فيه {كل نفس} أي مكلفة {معها سائق} أي ملك يسوقها إليه {وشهيد} يشهد عليها بعملها. قال الضحاك: السائق من الملائكة والشاهد من أنفسهم وهو الأيدي والأرجل وغيرها وهي رواية العوفي عن ابن عباس رضى الله عنهما وقيل: هما جميعًا من الملائكة، فالسائق كما قيل لا تعلق له بالشهادة لئلا تقول تلك النفس أنه خصم والخصم لا تقبل شهادته وقيل السائق هو الذي يسوقه إلى الموقف ومنه إلى مقعده. والشهيد هو الكاتب والسائق لازم للبرّ والفاجر أما البر فيساق إلى الجنة وأما الفاجر فإلى النار قال تعالى: {وسيق الذين كفروا} (الزمر:).
وقال تعالى: {وسيق الذين اتقوا} (الزمر:).
والشهيد يشهد عليها بما عملت. تنبيه: يجوز في جملة معها سائق وشهيد أن تكون في موضع جر صفة لنفس، وأن تكون في موضع رفع صفة لكل، وأن تكون في موضع نصب على الحال من كل.
ويقال للكافر.
{لقد كنت} أي: كونًا كأنه جبلة لك {في غفلة} أي: عظيمة محيطة بك ناشئة لك {من هذا} أي: من تصوّر هذا اليوم على ما هو عليه من انقطاع الأسباب والجزاء بالثواب أو العقاب لأنه على شدّة جلائه خفي على من اتبع الشهوات {فكشفنا} بعظمتنا بالموت ثم البعث {عنك غطاءك} الذي كان في الدنيا على قلبك وسمعك وبصرك من الغفلة بالآمال في الحال والمآل وسائر الحظوظ والشهوات {فبصرك اليوم} أي بعد البعث {حديد} أي في غاية الحدّة والنفوذ فلذا تقرّ بما كنت تنكر في الدنيا. وقال مجاهد: يعني نظرك إلى لسان ميزانك حين توزن حسناتك وسيئاتك. والمعنى: أزلنا غفلتك فبصرك اليوم جديد وكان من قبل كليلًا.
واختلف في القرين في قوله تعالى: {وقال قرينه} فأكثر المفسرين على أنه الملك الموكل به فيقول: {هذا ما} أي: الذي {لدي عتيد} أي: حاضر ونقل الكرماني عن ابن عباس رضى الله عنهما: أنه الشيطان الذي سلط على إغوائه واستدراجه إلى ما يريد فزين له الكفر والعصيان. ويدل لهذا قوله تعالى: {وقيضنا لهم قرناء} (فصلت:).
وقال تعالى: {نقيض له شيطانًا فهو له قرين} (الزخرف:).
وقال تعالى: {فبئس القرين} فالإشارة بهذا إلى المسوق المرتكب الفجور والفسوق. والعتيد معناه المعتدّ للنار ومعناه أن الشيطان يقول هذا العاصي هو شيء عندي معتدّ لجهنم أعددته لها بالإغواء والإضلال وقوله تعالى: {ألقيا في جهنم} أي: النار التي تلقى الملقي فيها بما كان يعامل به عباد الله تعالى من الكبر والعبوسة {كل كفار} خطاب من الله تعالى للسائق والشهيد أو للملكين من خزنة النار أو الواحد وتثنية الفاعل منزل منزلة تثنية الفعل وتكريره كأنه قيل ألقي ألقي وقيل: أراد ألقيا بالنون الخفيفة فأبدلها ألفًا إجراءً للوصل مجرى الوقف وقيل العرب: تخاطب الواحد مخاطبة الاثنين تأكيدًا كقوله:
فإن تزجراني يا ابن عفان أزدجر ** وإن تدعاني أحم عرضًا ممنعا

قال ابن عادل وقيل المأمور مثنى وهذا هو الحق لأنّ المراد ملكان يفعلان ذلك. اهـ. وهو القول المتقدّم {عنيد} وهو المبالغ في ستر الحق والمعاداة لأهله بغير حجة حمية وأنفة نظرًا إلى استحسان ما عنده والثبات عليه تجبرًا وتكبرًا على ما عند غيره ازدراء له كائنًا من كان.
{مناعٍ} أي: كثير المنع {للخير} من المال وغيره من كل معروف يعلق بالمال والمقال والفعال.
وقيل المراد الإسلام فإن الآية نزلت في الوليد بن المغيرة لما منع بني أخيه عنه {معتدٍ} أي: مجاوز للحدود {مريبٍ} أي: داخل في الريب وهو الشك والتهمة في أهل الدين. وقوله تعالى: {الذي جعل مع الله} أي: الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال {إلهًا آخر} يجوز أن يكون منصوبًا على الذمّ أو على البدل من كل وأن يكون مجرورًا بدلًا من كفار أو مرفوعًا بالابتداء والخبر {فألقياه في العذاب} أي: الذي يزيل كل عذوبة {الشديد} ودخلت الفاء في الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط. ويجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر أي هو الذي جعل ويكون فألقياه تأكيدًا.
{قال قرينه} مناديًا بإسقاط الأداة كدأب أهل القرب إيهامًا أنه منهم {ربنا} أي: أيها المحسن إلينا أيتها الخلائق كلهم {ما أطغيته} أي: ما أوقعته فيما كان فيه من الطغيان فإني لا سلطان لي عليه وأنت أعلم بذلك {ولكن كان} أي: بجبلته وطبعه {في ضلال بعيد} أي: محيط به من جميع جوانبه لا يمكن رجوعه معه فلذلك كان يبادر إلى كل ما يغضب الله تعالى.
تنبيه:
هذا جواب لكلام مقدّر فإن الكافر حينما يلقى في النار يقول ربنا أطغاني شيطاني فيقول ربنا ما أطغيته بدليل قوله تعالى: {لا تختصموا لدي} لأنّ المخاصمة تستدعي كلامًا من الجانبين ونظيره قوله تعالى في سورة ص {قالوا بل أنتم لا مرحبًا بكم} (ص:).
إلى قوله تعالى: {إنّ ذلك لحق تخاصم أهل النار} (ص:).
قال الزمخشري: وهذا يدل على أن المراد بالقرين في الآية المتقدّمة هو الشيطان لا الملك الذي هو شهيد وقعيد.
قال الرازي: وجاءت هذه الآية بلا واو وفي الأولى بواو عاطفة لأن الأولى إشارة وقعت إلى معنيين مجتمعين فإن كل نفس في ذلك الوقت تجيء ومعها سائق وشهيد فيقول الشهيد ذلك القول وفي الثانية لم يجد هنا معنيان مجتمعان حتى تذكر الواو فإن الفاء في قوله تعالى: {فألقياه في العذاب} لا تناسب قوله تعالى: {قال قرينه ربنا ما أطغيته} فليس هناك مناسبة مقتضية للعطف.
فإن قيل: كيف قال ما أطغيته مع أنه قال لأغوينهم أجمعين. أجيب: بأن المراد من قوله لأغوينهم أي لأديمنهم على الغواية كما أن الضال إذا قال له شخص أنت على الجادة فلا تتركها يقال أنه يضله كذا هنا فقوله ما أطغيته أي ما كان ابتداء الغي مني. وقوله تعالى: {قال} أي: الله تعالى المحيط علمًا وقدرة الذي حكم عليهم بذلك في الأزل {لا تختصموا} أي: لا توقعوا الخصومة بهذا الجدّ والاجتهاد استئناف كان قائلًا يقول فماذا قال الله تعالى. فأجيب: يقال لا تختصموا وقوله تعالى: {لدي} أي في دار الجزاء بهذه الحضرة التي هي فوق ما كنتم تدركونه من الأخبار عنها بكثير يفيد مفهومه أن الاختصام كان ينبغي أن يكون قبل الحضور والوقوف بين يديّ. وقوله تعالى: {وقد قدّمت إليكم بالوعيد} أي: التهديد وهو التخويف العظيم على جميع ما ارتكبتموه من الكفر والعدوان جملة حالية ولا بدّ من تأويلها وذلك أن النهي في الآخرة وتقدّمه الوعيد في الدنيا. فاختلف الزمان فكيف يصح جعلها حالية وتأويلها هو أن المعنى وقد صح أني قدّمت وزمان الصحة وزمان النهي واحد وقدّمت يجوز أن يكون بمعنى تقدمت فتكون الواو للحال ولا بدّ من حذف مضاف أي: وقد تقدّم قولي لكم ملتبسًا بالوعيد ويجوز أن يكون قدمت على حاله تعديًا والباء مزيدة في المفعول أي قدمت إليكم الوعيد. كقوله تعالى: {تنبت بالدهن} (المؤمنون:).
على قول من قال بزيادتها هناك وقيل الباء هنا للمصاحبة كقولك اشتريت الفرس بلجامه أي معه فكأنه قال تعالى قدّمت إليكم ما يجب مع الوعيد على تركه والإنذار.
{ما يبدّل} أي: يغير بوجه من الوجوه {القول لدّي} أي: الواصل إليكم من حضرتي التي لا يحيط بها أحد من خلقي وعبر بما التي هي للحاضر دون لا التي للمستقبل لأن الأوقات كلها عنده حاضرة {وما أنا} وأكد النفي بقوله تعالى: {بظلام للعبيد} فأعذبهم بغير ظلم.
فإن قيل: الظلام مبالغة في الظلم ويلزم من انتفائه إثبات أصل الظلم فإذا قال القائل هو كذاب يلزم أن يكون كثير الكذب، ولا يلزم من نفيه نفي أصل الكذب، لجواز أن يقال ليس بكذاب كثير الكذب لكنه يكذب أحيانًا. فقوله تعالى: {ما أنا بظلام} لا يفهم منه نفي أصل الظلم وأنّ الله ليس بظالم. أجيب بأربعة أجوبة:
أحدها: أنّ الظلام بمعنى الظالم كالتمار بمعنى التامر فتكون اللام في قوله تعالى: {للعبيد} لتحقيق النسبة لأن الفعال حينئذ بمعنى ذي ظلم لقوله تعالى: {لا ظلم اليوم} (غافر:).
ثانيها: قال الزمخشري: إن ذلك أمر تقديري كأنه تعالى يقول لو ظلمت عبدي الضعيف الذي هو محل الرحمة لكان ذلك غاية الظلم وما أنا بذلك فيلزم من نفي كونه ظلامًا نفي كونه ظالمًا ويحقق هذا الوجه إظهار لفظ العبيد حيث قال الله تعالى: {وما أنا بظلام للعبيد} أي: في ذلك اليوم الذي أملأ فيه جهنم مع سعتها حتى تصيح وتقول لم يبق فيّ طاقة بهم ولم يبق فيّ موضع لهم فهل من مزيد استفهام استنكار.
ثالثها: أنه لمقابلة الجمع بالجمع والمعنى أنّ ذلك اليوم مع أني ألقي في جهنم عددًا لا حصر له لا أكون بسبب كثرة التعذيب كثير الظلم لأنه تعالى قال: {وما أنا بظلام للعبيد}.
{يوم نقول} أي على مالنا من العظمة {لجهنم} ولم يقل ما أنا بظلام في جميع الأزمان وخصص بالعبيد ولم يطلق فلذلك خصص النفي بنوع من أنواع الظلم ولم يطلق ولم يلزم منه أن يكون ظالمًا في غير ذلك الوقت لأنّ التخصيص بالذكر لا يدل على نفي ما عداه لأنه نفي كونه ظلامًا ولم يلزم منه كونه ظالمًا ونفي كونه ظلامًا للعبيد ولم يلزم منه كونه ظلامًا لغيرهم.
تنبيه:
يحتمل أن يكون المراد بالعبيد الكفار كقوله تعالى: {يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول} (يس:).
الآية والمعنى أعذبهم وما أنا بظلام لهم ويحتمل أن يكون المراد منه المؤمنين.
والمعنى أنّ الله تعالى يقول: لو بدّلت قولي ورحمت الكافر لكنت في تكليف العباد ظالمًا لعبادي المؤمنين لأني منعتهم من الشهوات لأجل هذا اليوم فلو كان ينال من لم يأت بما أتى به المؤمن ما يناله المؤمن لكان إتيان المؤمن بما أتى به من الإيمان والعبادة غير مفيد وهذا معنى قوله تعالى: {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة} (الحشر:).
ويحتمل أن يكون المراد التعميم وهذا أظهر. وقوله تعالى لجهنم أي التي هي دار العذاب مع الكراهة والعبوسة والتجهم {هل امتلأت} استفهام تحقيق لوعده عليها وهو قوله تعالى: {لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} (هود:).
{وتقول} بصورة الاستفهام كالسؤال {هل من مزيد} أي: قد امتلأت ولم يبق فيّ موضع لم يمتلئ فهو استفهام إنكار. وقيل بمعنى الاستزادة رواه أبو صالح عن ابن عباس رضى الله عنهما وعلى هذا يكون السؤال وهو قوله تعالى هل امتلأت قبل دخول جميع أهلها فيها.
وروي عن ابن عباس رضى الله عنهما «أنّ الله تعالى سبقت كلمته لأملأنّ جهنم من الجنة والناس أجمعين فلما سيق أعداء الله إليها لا يلقى فيها فوج إلا ذهب فيها ولا يملؤها فتقول ألست قد أقسمت لتملأني فيضع قدمه عليها فيقول هل امتلأت فتقول هل من مزيد قط قط قد امتلأت وليس فيّ مزيد» وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العرش وفي رواية رب العزة فيها قدمه فيزوى بعضها إلى بعض وتقول: قط قط بعد ذلك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشىء الله تعالى لها خلقًا فيسكنهم فضول الجنة» ولأبي هريرة رضى الله عنه نحوه ولا يظلم الله تعالى من خلقه أحدًا.
تنبيه:
هذا الحديث من مشاهير أحاديث الصفات وللعلماء فيه وفي أمثاله مذهبان:
أحدهما: وهو مذهب جمهور السلف وطائفة من المتكلمين أنه لا يتكلم في تأويلها بل نفوّض بأنها حق على ما أراد الله ورسوله ونجريها على ظاهرها أولها معنىً يليق بها وظاهرها غير مراد.
المذهب الثاني: وهو قول جمهور المتكلمين أنها تؤوّل بحسب ما يليق بها فعلى هذا اختلفوا في تأويل الحديث فقيل المراد بالقدم التقدّم وهو شائع في اللغة والمعنى يضع الله تعالى فيها من قدمه لها من أهل العذاب. وقيل: المراد به قدم بعض المخلوقين فيعود الضمير في قدمه إلى ذلك المخلوق المعلوم. وقيل: يحتمل أن في المخلوقات من يسمى بهذه التسمية وخلقوا لها. قال القاضي عياض أظهر التأويلات أنهم استحقوها وخلقوا لها.
قال المتكلمون: ولا بدّ من صرفه عن ظاهره لقيام الدليل العقلي القطعي على استحالة الجارحة على الله تعالى وقولها قط قط أي حسبي حسبي قد اكتفيت وفيها ثلاث لغات إسكان الطاء وكسرها منوّنة وغير منوّنة ولما ذكر النار التي هي دار الفجار وقدّمها لأنّ المقام للإنذار اتبعها دار الأبرار.
فقال تعالى سارًّا لهم بإسقاط مؤنة المسير وطي مشقة البعد.
{وأزلفت الجنة} أي: قربت بأيسر أمر مع الدرجات والحياض الممتلئة {للمتقين} أي: الغريقين في هذا الوصف فإذا رأوها تسابقوا إليها وتركوا ما كانوا فيه في الموقف من منابر النور وكثبان المسك ونحو هذا. وأما غيرهم من أهل الإيمان فقد يكون لهم غير هذا الوصف فيساق إليها الذين اتقوا كما مضى في الزمر. وقوله تعالى: {غير بعيد} يجوز أن يكون حالًا من الجنة ولم يؤنث لأنها بمعنى البستان أو لأنّ فعيلًا لا يؤنث لأنه بزنة المصادر قاله الزمخشري. ومنعه أبو حيان وتقدّم الكلام على ذلك في قوله تعالى: {إن رحمة الله قريب من المحسنين} (الأعراف:).
ويجوز أن يكون منصوبًا على الظرف المكاني أي مكانًا غير بعيد ويجوز أن يكون نعتًا لمصدر محذوف أي إزلافًا غير بعيد وظاهر عبارة الزمخشري فإنه قال أو شيئًا غير بعيد فإن قيل: ما وجه التقريب والجنة مكان والأمكنة يقرب منها وهي لا تقرب. أجيب: من أوجه. أوّلها: أنّ الجنة لا تزال ولا يؤمر المؤمن في ذلك اليوم بالانتقام إليها مع بعدها لكن الله تعالى يطوي المسافة التي بين المؤمن والجنة فهو التقريب.
فإن قيل: فعلى هذا ليس إزلاف الجنة من المؤمن بأولى من إزلاف المؤمن من الجنة فما فائدة قوله تعالى: {أزلفت الجنة} أجيب بأن ذلك إكرام للمؤمن وبيان لشرفه وأنه ممن يمشي إليه ثانيها: قريب من الحصول في الدخول لا بمعنى القرب المكاني. ثالثها: أنّ الله تعالى قادر على نقل الجنة من السماء إلى الأرض فيقربها للمؤمن. ويحتمل أنها أزلفت بمعنى جمعت محاسنها لأنها مخلوقة وأما بمعنى قرب الحصول لها لأنها تنال بكلمة طيبة وحسنة وخص المتقين بذلك لأنهم أحق بها.
وقوله تعالى: {هذا} أي: الإزلاف والذي ترونه من كل ما يسركم {ما} أي: الأمر الذي {توعدون} أي: وقع الوعد لكم به في الدنيا يجوز فيه وجهان.
أحدهما: أن يكون معترضًا بين البدل والمبدل منه وذلك أنّ {لكل أوّاب} أي: رجاع إلى طاعة الله تعالى بدل من المتقين بإعادة العامل.